الخميس، 22 يوليو 2010

معجزة الذرة 3


الانفجار العظيم بالأدلة

بمجرد أن أثبت العلماء حقيقة أن الكون قد بدأ في التكون بعد انفجار عظيم، أعطى ذلك دفعة أخرى لبحوث الفيزيائيين الفلكيين· ووفقاً لجورج جامو George Gamow، إذا كان الكون قد تكون نتيجة انفجار عنيف ومفاجئ، فإنه يُفترض أن توجد كمية محددة من الإشعاع المتبقي من هذا الانفجار ويجب أن تكون هذه الكمية متناثرة في جميع أرجاء الكون· وفي السنوات التالية لهذه الفرضية، توالت نتائج البحوث العلمية، وأكدت جميعها حدوث الانفجار العظيم· وفي سنة ،1965 اكتشف باحثان وهما أرنو بنزِياس Arno Penzias وروبرت ويلسون Robert Wilson بالمصادفة شكلا من أشكال الإشعاع لم تتم ملاحظته حتى ذلك الحين· ويعرف هذا الإشعاع باسم ''إشعاع الخلفية الكونية ''cosmological background radiation''، ولم يكن يشبه أي شيء آت من أي مكان آخر في الكون لأنه كان متماثلا بشكل غير عادي· كما أنه لم يكن مركزا في مكان واحد ولم يعرف له مصدر محدد، وبدلا من ذلك، كان موزعا بالتساوي في كل مكان· وسرعان ما أدرك العلماء أن هذا الإشعاع هو من بقايا الانفجار العظيم، الذي كان لا يزال يتردد صداه منذ اللحظات الأولى لهذا الانفجار العظيم· لقد كان جامو محقا تماما، لأن تردد الإشعاع كان مساويا تقريبا للقيمة التي توقعها العلماء· وقد حصل بنزِياس وويلسون على جائزة نوبل عن اكتشافهما· لقد استغرق جورج سموت George Smoot وفريقه التابع لوكالة ناسا ثماني دقائق فقط لتأكيد مستويات الإشعاع التي وصفها بنزِياس وويلسون، وذلك بفضل القمر الاصطناعي الفضائي كوبي COBE. فقد حققت أجهزة الإحساس الموجودة على متن القمر الاصطناعي نصرا جديدا لنظرية الانفجار العظيم لأنها أثبتت وجود الشكل الحار الكثيف الذي تبقى من اللحظات الأولى للانفجار العظيم، كما سجَّل كوبي بقايا تثبت حدوث الانفجار العظيم، مما اضطر الأوساط العلمية إلى الاعتراف بصحة حدوثه· وكانت هناك أدلة أخرى تتعلق بالكميات النسبية للهيدروجين والهليوم الموجودة في الكون· إذ كشفت الحسابات أن نسبة غازي الهيدروجين والهليوم في الكون تتوافق مع الحسابات النظرية لما يفترض أن يتبقى بعد الانفجار العظيم· وقد أدى اكتشاف أدلة تحتم الاعتراف بنظرية الانفجار العظيم إلى حصول هذه النظرية على موافقة كاملة من الأوساط العلمية· ففي مقال نشر في عدد أكتوبر/ تشرين أول 1994 من مجلة ''العلوم الأمريكية'' Scientific American، أشارت المجلة إلى أن ''نموذج الانفجار العظيم كان النموذج الوحيد المعترف به في القرن العشرين''·وتوالت الاعترافات الواحد تلو الآخر من أسماء دافعت عن فكرة ''الكون اللامحدود'' لسنوات· فقد قام دينيس سكياما Dennis Sciama، المدافع عن نظرية الحالة المستقرة إلى جانب فريد هويل لسنوات، بوصف المأزق الذي وقعا فيه بعد اكتشاف الأدلة المؤيدة لنظرية الانفجار العظيم·لقد ذكر أنه وقف بجانب هويل في بادئ الأمر، ولكن نتيجة لتراكم الأدلة، فقد كان عليه أن يعترف بأن اللعبة قد انتهت، وبأنه يجب التخلي عن نظرية الحالة المستقرة·

 الله خلق الكون من العدم

نتيجة للأدلة الوفيرة التي اكتشفها العلماء، ألقيت فرضية ''الكون اللامحدود'' في ركام نفايات تاريخ الأفكار العلمية· ومع ذلك، فقد توالى طرح المزيد من الأسئلة المهمة مثل: ما الذي كان موجودا قبل الانفجار العظيم؟ وما القوة التي استطاعت أن تحدث الانفجار العظيم الذي أدى إلى ظهور كون لم يكن موجودا من قبل؟ توجد إجابة واحدة للسؤال الخاص بما الذي كان موجودا قبل الانفجار العظيم: الله، القادر القوي، الذي خلق الأرض والسماء بنظام عظيم· لقد اضطر العديد من العلماء، سواء كانوا مؤمنين بالله أم غير مؤمنين به، إلى الاعتراف بهذه الحقيقة· وعلى الرغم من أنهم قد يرفضون الاعتراف بهذه الحقيقة على المنابر العلمية، فإن اعترافاتهم الموجودة بين السطور تفضح أمرهم· فقد قال الفيلسوف الملحد المعروف أنطوني فلو :Anthony Flew  ''من المعروف أن الاعتراف يفيد الروح، لذا سوف أبدأ بالاعتراف بأن الملحد العنيد يجب أن يربكه الإجماع الكوني المعاصر· إذ يبدو أن علماء الكونيات يقدمون إثباتات علمية على ما رأى القديس توماس أنه لا يمكن إثباته فلسفياً؛ أي، أن للكون بداية· وطالما أمكن التفكير في الكون بشكل مريح بوصفه ليس فقط بدون نهاية ولكنه بدون بداية أيضا، يظل من السهل المجادلة بأن وجوده غير المنطقي، وسماته الأساسية الغالبة أيا كانت، لا بد من قبولها بوصفها التفسير النهائي لوجوده· وعلى الرغم من أنني أؤمن بأن ذلك لا يزال صحيحا، فإنه ليس من السهل بالتأكيد ولا من المريح الاستمرار على هذا الموقف في مواجهة قصة الانفجار العظيم''·3 كما اعترف بعض العلماء من أمثال الفيزيائي المادي البريطاني إتش· بي· ليبسون H. P. Lipson بأنهم مضطرون لقبول نظرية الانفجار العظيم سواء رغبوا في ذلك أم لم يرغبوا: ''إذا لم تنشأ المادة الحية نتيجة تفاعل الذرات، والقوى الطبيعية والإشعاع، فكيف نشأت؟ أنا أعتقد، مع ذلك، أننا ينبغي أن نعترف بأن التفسير الوحيد المقبول هو الخلق· أنا أعلم أن هذا أمر بغيض بالنسبة إلى الفيزيائيين، كما هي الحال بالتأكيد بالنسبة إليّ، ولكننا ينبغي ألا نرفض ما نكرهه إذا أيدته الأدلة التجريبية''·4وفي الختام، يشير العلم إلى حقيقة واحدة سواء شاء الماديون أم أبوا· لقد أوجد المادة والزمن خالق قادر، خلق السماء والأرض وكل ما بينهما؛ وهذا الخالق هو: الله القوي) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا). الطلاق: ·12

 الإشارات القرآنية
بالإضافة إلى دوره في تفسير الكون، يحمل نموذج الانفجار العظيم مضمونا آخر مهما· فحسبما أشار أنطوني فلو فيما اقتُبس عنه أعلاه، لقد جزم العلم بشيء لم تدعمه حتى الآن سوى المصادر الدينية· وتتمثل الحقيقة التي تدافع عنها المصادر الدينية في واقع الخلق من العدم· وقد ورد ذلك في الكتب المقدسة التي كانت بمثابة المرشد للبشرية على مدى آلاف السنين· وفي جميع الكتب المقدسة مثل العهد القديم والعهد الجديد والقرآن الكريم، ورد أن الكون وكل شيء فيه قد خلقه الله من العدم· وفي الكتاب الوحيد الموحَى من الله، الذي نجا تماما من التحريف، أي القرآن الكريم، ورد ذكر خلق الكون من العدم وكيفية حدوث ذلك، الأمر الذي يشير إلى نظريات القرن العشرين على الرغم من أن القرآن قد نزل قبل أربعة عشر قرنا·في البداية، كشف القرآن الكريم عن ''خلق'' هذا الكون من ''العدم'' على النحو التالي: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض······) الأنعام: ·101
وقد كشف القرآن عن نقطة أخرى مهمة قبل أربعة عشر قرنا من الاكتشاف الحديث للانفجار العظيم والنتائج العلمية المتصلة به وهي أنه عندما خلق الكون، كان يشغل حجماً ضئيلاً جداً: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ). الأنبياء: ·30
ويظهر في هذه الآية اختيار مهم جدا للكلمات· ذلك أن كلمة رَتْق تعني في المعاجم العربية ''مختلط بعضه ببعض أو ممزوج''، وقد استخدمت للإشارة إلى مادتين مختلفتين تكوّنان كلا متكاملا· وفي اللغة العربية، يفهم من الفعل فَتَقَ أن شيئا ما قد نشأ نظراً لحدوث فصل أو تدمير في بنية الرتق· ويعتبر تبرعم حبة النبات أحد الأشياء التي ينطبق عليها هذا الفعل· والآن، دعونا نلق نظرة أخرى على الآية في ظل ما عرفناه توًّا · سنجد في الآية أن السماء     والأرض كانتا في البداية في حالة رتق، ثم تم فتقهما من خلال خروج إحداهما من الأخرى· ومن المثير للاهتمام أن علماء الكونيات يتحدثون عن ''بيضة كونية'' ''cosmic egg'' كانت تتألف من جميع المواد الموجودة في الكون قبل الانفجار العظيم· وفي عبارة أخرى، كانت جميع السماوات والأرض داخل هذه البيضة في حالة الرتق· وقد انفجرت هذه البيضة الكونية بعنف وتسببت في فتق المواد الموجودة داخلها وشكلت في خضم هذا الانفجار بنية الكون بأكمله· وهناك مسألة أخرى في القرآن الكريم يمكن تفسيرها على أنها تشير إلى تمدد الكون، الذي تم اكتشافه في أواخر العشرينيات· فقد ظهر في القرآن اكتشاف >هابل< للانزياح الأحمر الذي يحدث في طيف ضوء النجوم على النحو التالي: (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وإنَّا  لَمُوسِعُونَ). الذاريات: ·47
وباختصار، فإن نتائج البحوث العلمية الحديثة تشير، على نحو متزايد إلى الحقيقة الجلية في القرآن الكريم، ولا تدعم عقيدة الماديين· فقد يدعي الماديون أن كل هذا حدث ''مصادفة'' ولكن الحقيقة الواضحة هي أن الكون قد نشأ نتيجة عملية خلق تمت بإرادة الله سبحانه وتعالى· ومن ثم، توجد المعرفة الحقيقية الوحيدة حول أصل الكون في كلمة الله التي كشف لنا عنها.
وللحديث بقية
تحياتى
وليد حمودة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق